ومضة من كليتنا...
ومضة... من كليتنا...
الكريمة الدكتورة فاطمة الديلي، أستاذ مساعد، منسقة الدراسة والامتحانات بقسم التربية وعلم النفس- كلية التربية- طرابلس، وهي بلا شك أحد أعمدة الكلية والقسم.
كنت بحاجة إلى شأن من شؤون أحد الطلاب بقسمنا، فذهبت إلى القسم وتجاوزت سيدة كانت تنظر إلى الأرض وتنظف وتمسح بالماء الأرضية أمام قسم التربية وعلم النفس، مستخدمة أدوات التنظيف المتعارف عليها (السياقة مثلا). وبالطبع يتبادر إلى الذهن أن هذه السيدة هي إحدى العاملات بقسم النظافة (ولا غبار ولا عيب في هذه المهنة).
تجاوزت تلك السيدة بحثاً عن الدكتورة فاطمة الديلي، فلم تكن موجودة بالقسم، عدت متوجهاً إلى قاعة المحاضرات، فاذا بالسيدة التي تُنظف أرضية القسم بجدية وصمت واخلاص هي الكريمة د. فاطمة الديلي. قمة التواضع. والتواضع أحد أهم صفات المعلم الناجح المربي الرسالي المؤثر الفعال.
لقد رأيت أمامي صورة من الصعب تجاوزها وعدم الوقوف عندها ومشاركة الزملاء والطلاب بها. صورة رائعة من صور التواضع والثقة بالنفس، فلا يتواضع إلا من يثق بالله ثم بنفسه. ولا يتواضع إلا المتمكن من مجاله وتخصصه ومهنته. رأيت نموذجاً عملياً شاهده طلابنا بأنفسهم، فقدحدث ذلك في فترة ما بين المحاضرات، أي أن عشرات الطالبات كن يمرن ويشاهدن استاذتهن تقوم بهذه المهمة، دون أن تبالي الدكتورة فاطمة بذلك.
لكن نفس اللقطة الإيجابية الرائعة، نفس الومضة، فتحت ملفات قديمة وذكريات مؤلمة في ذهني لأعضاء هيئة تدريس أنوفهم أعلى من شعر رؤوسهم - والحمد لله جامعتنا وكليتنا خالية منهم - يمر على طلبته كسيل عرم، دون أن يلقي السلام، بل دون أن يرد على تحية طلبته أحياناً. يعتقد أنه خرق الأرض وبلغ الجبال طولاً، ينظر إلى طلبته كأعداد، كأفراد، كأرقام. ينفجر غضباً إذا ناديته مجرداً من القابه العلمية. عبوس الوجه لا يبتسم لطلبته. يهابه الطلاب، ليس لهيبة احترام إيجابية، بل لغطرسته وكبره وتعاليه. نسى أنه كان طالباً. يحاول دائماً أن يثبت أنه أفضل من زملائه وأنه وراء كل نجاح. يسرق جهود زملائه وينسبها لنفسه.
هذا الطراز يشعر بالنقص فيسعى إلى تعويض النقص بهذه السلوكيات. تراه منتفخاً، لكنه من الداخل هواء، بل فراغ، لا عطاء ولا مشاركة ولا إنتاج.
الخبر الرائع أن هذه النماذج إما أنها أندثرت من جامعاتنا ومعاهدنا وكلياتنا ومدارسنا، أو أنها في طريقها سريعاً إلى الزوال. والخبر الأروع أن حل محلهم نماذج متواضعة منتجة عاملة مبدعة في تدريسها وفي مجالها الاكاديمي، تعج بهم بفضل الله مؤسساتنا التعليمية، نماذج كزميلتنا لكريمة د. فاطمة الديلي.
فكوني ابنتي طالبة كلية التربية منهم، وتذكري - مرة أخرى - أن التواضع من أهم صفات المعلم الناجح المربي الرسالي المؤثر الفعال. والله ولي التوفيق.
فتحي الفاضلي- منسق المعلومات والتوثيق
قسم التربية وعلم النفس – كلية التربية – طرابلس.
27-05-2022م.
التعليقات